عيده بوي باحثة مغربية في قضايا المرأة والطفولة
رؤية – محمد اكينو
الرباط – تعد ملفات الطفولة والمرأة من القضايا التي تتصدر على الدوام برامج الحكومات المتعاقبة في المغرب , وترى منظمات المجتمع المدني المعنية بالموضوع أن شعارات البرامج الحكومية لا تجد غالبا طريقها الى التنفيذ , وتتفاقم اوضاع هذه الشرائح الإجتماعية حتى تدق المنظمات الدولية المعنية ناقوس الخطر .
في المغرب يتم تسجل أكثر من 26 الف حالة اغتصاب للأطفال سنويا حسب تقرير إحدى المنظمات المغربية المعنية , إضافة الى حالات التخلي عن الأطفال الرضع والأطفال المشردين وغيرها من الحالات التي تشكف فظاعة ما تعيشه الطفولة المغربية حاليا .
لتسليط المزيد من الضوء على الواقع الحالي للطفولة والمرأة في المغرب التقت ”رؤية ” بالباحثة المغربية “عيده بوي ” مهتمة بقضايا الطفولة والمرأة وكان معها الحوار التالي :
كيف تقيم تعاطي الحكومة المغربية مع ملفات الطفولة والمرأة لحد الان؟
للأسف تعاطي الحكومة المغربية جد ضعيف وذلك راجع لغياب استراتيجية واضحة المعالم وبرامج ناجع دائمة وفعالة لإدماج الأطفال والنساء في وضعية صعبة ومساعدتهم حسب حاجيات كل فئة ,هناك حديث عن إنشاء الحكومة لصندوق دعم التماسك الاجتماعي قصد الاهتمام بالفئات الضعيفة وتفعيل صندوق التكافل العائلي الذي يستهدف النساء المطلقات، إلا أن هناك ضبابية في طريقة اشتغال هذا الصندوق وكذا في كيفية تمويله و ضمان شروط الاستمرارية لهذا التمويل.
لمعالجة هذه القضايا يجب التعمق في دراسة أسبابها التي تعود بالأساس إلى التفكك الأسري والفقر والهشاشة وغياب العدالة الاجتماعية والفساد بكل أنواعه ولابد من حوار مجتمعي جاد ودراسات مستفيضة للحالات الاجتماعية مع استشارة جميع مكونات المجتمع المدني من أجل إيجاد حلول منصفة وبناء منظومة اجتماعية متقدمة وديمقراطية تضمن الحقوق للجميع.
التقرير الأخير لمنظمة اليونيسيف جد صادم كشف أن 6500 رضيعا يتيما يتم التخلي عنه سنويا عند الولادة، كما كشف ارتفاع عدد الأطفال المشردين بنسبة 10 بالمائة، وحوالي مليون طفل يعيشون في وضعية صعبة وفي دراسة أخرى حوالي 27200 أم عازبة في سنة 2010 مقارنة بنحو 11000 العام 2008.
أثير مؤخرا ملف اغتصاب الاطفال بالمغرب والذي كشف عن احصائيات مهولة كيف تعلقين على هذا ؟ وما اسباب الظاهرة برايك؟
اغتصاب الأطفال ، جريمة نكراء والشخص الذي يقوم بهذا الفعل بالتأكيد شخص غير سوي باعتبار أن الاغتصاب هو أقصى درجات العنف إذ تعتبر جريمة الاغتصاب إحدى أشد جرائم الاعتداء على الشرف ولاشك أن تفشي الانحراف،الانحلال الأخلاقي،البطالة،الحرمان والأمية ساهم ويساهم في صنع أناس غير أسوياء عاطفيا ونفسيا وأيضا تتحمل الدولة فيها مسؤولية كبيرة لعدم محاربتها: الفقر والجهل والجريمة،فمن واجبها أن تتخذ ضد مقترفي هذه الجريمة الشنعاء العقوبات الرادعة وبالصرامة الكافية لردع كل من يفكر بالإقدام على هذه الفعل الشنيع.
وكم نحن اليوم في حاجة ماسة إلى مراجعة المنظومة القيميّة التي تحكمنا وتحمل جميع مكونات المجتمع من جمعيات و مثقفين و رجال الفكر و التعليم مسؤولياتهم تجاه هذا الجيل الجديد الذي هو في حاجة شديدة اليوم إلى إعادة تثقيف وغرس قيم ديننا الحنيف لأن الدين هو الوحيد القادر على كبح جماح الشهوة وردع الإجرام في نفسية الإنسان.
هل تتوفر منظمات المجتمع المدني استراتيجية واضحة في التعاطي مع قضايا الطفولة والمرأة بالمغرب؟
هناك اجتهادات الى ترقى إلى مستوى العمل الاستراتجي المدروس بالإضافة إلى غياب شراكات بين فعاليات المجتمع المدني للتدبير هذا الملف الشائك تدبيرا عقلانيا على المدى البعيد .نظرا لغياب الاستقلالية و هيمنة الخلفيات السياسية على أغلب الجمعيات و كذا الثقة التي انعدمت فيها، العشوائية في التسيير، غياب الديمقراطية و الاعتماد على المزاجية في التخطيط.
مازال المجتمع المدني في المغرب لا يساهم في صناعة السياسة العمومية فإذا أردنا النهوض بالمجتمع الذي تنتمي إليه علينا أن نننتقل من مجتمع الدولة إلى دولة المجتمع.
أنجزت تحقيق مهم حول الأطفال المتخلى عنهم في المغرب , ما هي اهم الخلاصات التي خرجت بها من خلال تحقيقك؟
تعد الطفولة مرحلة أساسية في حياة الإنسان ولأحداثها آثار واضحة في بقية عمره سواء أكان ذلك من الناحية النفسية العقلية والثقافية والاجتماعية. العنف المادي و الرمزي الذي يمارسه المجتمع على الطفل المتخلى عنه يؤثر سلبا على و جوده الاجتماعي و كيانه السيكولوجي مما يؤدي به الى مواجهته بعنف بالتعاطي للسلوكات إنحرافية وعدم الإنصياع لكل الضوابط الاجتماعية وغالبا ما يتم اللجوء إلى التعاطي للمخدرات و الموبقات الأخرى ابتغاء تدمير الذات كنوع من “المواجهة” للعنف المسلط عليه.
ومن الغريب جدا ان يتلقى الطفل هذا الإهمال من قبل مجتمعات المفروض أنها ” اسلامية” بالرغم من أن الاسلام قد كفل للطفل المتخلى عنه حياة مستقرة ، وأعطاه وكفل له حقوقا ، وعمل على المحافظة عليه بما يحقق له الإستقرار و الأمان ،ورغم وجود قوانين منظمة كقانون كفالة الاطفال المهملين ” المادة 9 من ظهير الكفالة 13 يونيو 2002 للشروط القانونية لمستحقي الكفالة”غير انها ما زالت بعيدة كل البعد عن تطبيقه.
فحسب دراسة أنجزت اعتمادا على بحث ميداني قامت به جمعية “إنصاف” سنة2010٬ فإن 153 طفلا يولد يوميا خارج مؤسسة الزواج،وهو رقم مرشح للارتفاع٬أيضا حسب إحصائيات اليونسيف حول الأطفال والأمهات العازبات لسنة 2010، 46,11% فقط من الأطفال المغاربة يولدون داخل مؤسسة الزواج وأنه خلال الـ20 سنة المقبلة سيصل عدد المواليد خارج إطار الزواج إلى 50%،أرقام مخيفة بحجمها وتأثيراتها، لأنّ مستقبلاً غامضاً ومظلماً ينتظر هؤلاء الأطفال فلا ذنب لهم سوى أنّهم ولدوا بأنصاف هويّة في وسط اجتماعيّ لا يعترف بهم . فيضيع نسبهم وحقّهم.. وبالرغم من إثارة النقاش حول ظاهرة الأمهات العازبت والأطفال المتخلى عنهم من طرف بعض وسائل الإعلام،الا أن الموضوع لازال يدخل في إطارالمحرمات والطابوهات . كذلك المبادرات الإدماجية والوقائية لظاهرة التخلي عن الأطفال حديثي الولادة مازالت لاترقى للمطلوب رغم الدور الكبيرالذي تقوم به الجمعيات ومؤسسات الرعاية الاجتماعية في كفالة الصغار المتخلى عنهم ف48 مؤسسة بكافة التراب الوطني تضطلع بهذا الدور دائما في إطار محدود ماديا وبشريا
ما هي الاطراف برأيك التي تتحمل مسؤولية الواقع المزري للأطفال المتخلى عنهم في المغرب؟
عدم الاعتناء بالطفل في ظل المتغيرات الحديثة، يجعله مصدر للخطر على نفسه وعلى غيره. والطفل المتخلى عنه يحتاج للرعاية، لإعادة التأهيل لا للنبذ والعقاب. فلابد من الحماية الشرعية والقانونية للأطفال المحرومينففي ظل التغيرات وتضاؤل التكافل الاجتماعي، أضحى دور الحكومات أكثر فعالية من السابق بتعاون مع كافة مكونات المجتمع المدني بتوفيرالظروف الكفيلة بإعداد أطفال أسوياء ورجال غد مقتدرين بضمان حقهم في العيش الكرامة التربية والتعليم والصحة وضمان حق الطفل غير الشرعي في النسب فالذي سعى له الإسلام ليس نبذ الأطفال غير الشرعيين، بل سعى لمحاربة اختلاط الأنساب وزواج المحارم وشيوع الفاحشة ، . ومن خلال مطالعة اجتهادات الفقهاء يلاحظ مدى حرصهم على إلحاق الابن بنسب الزوج متى وجدت قرينة على الإلحاق. ومن أجل ذلك توسعوا في وسائل إثبات النسب، وتضييق فرص إنكاره وأعطى حق التكفل و تشجيع الأسر على احتضان الأطفال المتخلى عنهم ومنحهم كل ما يحتاجونه من عطف وحنان وتربية وتعليم لإن هؤلاء الأطفال مستقبل وطن وهم مسؤولية مجتمع بأكمله.